ملخص المقال
ارتبط اسم أحمد بن حنبل والمأمون بفتنة كبيرة في التاريخ هي فتنة خلق القرآن، الفتنة كبيرة جدًا، ومحطة من محطات التاريخ المهمة.
حجم فتنة خلق القرآن:
ارتبط اسم أحمد بن حنبل والمأمون بفتنة كبيرة في التاريخ هي فتنة خلق القرآن، الفتنة كبيرة جدًا، ومحطة من محطات التاريخ المهمة، قال علي بن المديني: إن الله أعَزَّ هذا الدين بأبي بكر الصِّدّيق يوم الرِّدَّةِ، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنَة.
ما فتنة خلق القرآن؟
هي ادعاء أن كلام الله محدث ومخلوق وليس قديمًا، والهدف المعلن تنزيه الله بنفي صفة الكلام عنه لئلا يشبه خلقه، هذا موضوع مبتدع في أمر عقدي، ولم يفتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الخوض في المسائل المبهمة التي لا نعرف فيها رأيًا إلا بوحي، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَّدَ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا».
إذا طبقنا هذه القاعدة الجليلة على الأمور العقائدية، وخاصة صفات الله تعالى، صارت عندنا هذه الأمور ثلاثة أقسام:
1. أمور أثبتها الله تعالى لنفسه، فهذه نثبتها دون أن نسأل عن كيفيتها، كالسمع والبصر، والكلام
2. وأمور نفاها عن نفسه، كالنوم، والنسيان، فهذه ننفيها عنه سبحانه.
3. وأمور لم يخبرنا عنها فهذه لا نسأل عنها أصلًا، والبحث فيها معصية؛ لورود النهي في الحديث: فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا.
وراء فكرة خلق القرآن أهداف خبيثة مقصودة عند البعض وغير مقصودة عند آخرين:
1. كل مخلوق يعتريه النقص، فهذا فتح لنقد القرآن الكريم.
2. إنكار لصفة من صفات الله وهذا يفتح الباب لإنكار بقية الصفات.
3. إنكار لصريح القرآن {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
4. فتح لتحريف القرآن لأن الذين قالوا هكذا حرَّفوا وقالوا: كَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا.
5. هذا رجم بالغيب، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
6. بذر الشقاق بين العلماء المسلمين الذين سيختلفون حتمًا في مثل هذه القضايا.
من بدأ هذه الفتنة؟
بدأ فتنة خلق القرآن الجعد بن درهم أيام هشام بن عبد الملك، ثم الجهم بن صفوان الذي قُتل عام 128هـ)، ثم بشر المريسي، وظهر أيام هارون الرشيد، واختفى عن ناظره والذي أقسم أنه لو وجده قتله فهرب، اعتقد هذا الاعتقاد المأمون وسيطر عليه وزراؤه من المعتزلة وعلى رأسهم أحمد بن أبي دؤاد، لم يكن المأمون قادرًا على إعلان هذا الاعتقاد لوقوف العلماء ضده وخاصة يزيد بن هارون، بعد موت يزيد بن هارون عام 206 فكّر المأمون في إعلان ذلك، ولكن لم يفعل إلا في عام 212ه.
الخطوة الأشنع جاءت عام 218 عندما قرر المأمون إلزام العلماء والناس بهذا القول بالإكراه، فأرسل إلى إسحاق بن إبراهيم واليه على بغداد بامتحان القضاة والعلماء، وقرر عدم قبول شهادة الناس إلا بعد الإقرار بخلق القرآن.
أحمد بن حنبل والثبات على الحق:
أمر المأمون باختبار العلماء وسجن من أبى ذلك وإحضارهم إليه في طرسوس مقيدين بالأغلال، فكان الثابتون على الحق أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، وأخذ الجميع بالتقية، قبل الوصول إلى طرسوس أخبرهم خادم أن المأمون أقسم ليقتلنهما إذا ثبتا، فَجَثَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَمَقَ بِطَرْفِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: سَيِّدِي غَرَّ حِلْمُكَ هَذَا الْفَاجِرَ حَتَّى تجرأ عَلَى أَوْلِيَائِكَ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ يَكُنِ الْقُرْآنُ كَلَامُكَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَاكْفِنَا مُؤْنَتَهُ. قَالَ: فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ بِمَوْتِ الْمَأْمُونِ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ أَحْمَدُ: فَفَرِحْنا.
ولاية المعتصم وعودة أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح إلى بغداد وموت الأخير في الطريق، وحُبس أحمد بن حنبل 20 شهرًا وأكثر وقيل 28 شهرًا، وفي أثناء الحبس أحمد بن حنبل يفضل عدم الأكل من طعام وشراب السجن تنزُّهًا، وكان يأكل من بيته.
كما كانت هناك مناظرات مع المعتزلة كانت فيها الغلبة لأحمد دومًا، ومناظرات أمام المعتصم، حتى وصل الأمر إلى أن لطم المعتصم أحمد بن حنبل على وجهه فخر مغشيًا عليه، بل قاموا بسحبه على الأرض وخلعوا كتفه، وضُرِب بالسياط في 25 رمضان سنة 221هـ حتى أغمى عليه، ثم أُطلق ليحبس في بيته بعد شعور المعتصم أن ثورة يمكن أن تقوم.
انتهاء الفتنة:
بعد موت المعتصم كانت الولاية للواثق عام 227، وانتهت الفتنة آخر عهده بحوار مع شيخ غير معروف، ثم كانت عودة المسلمين إلى السنة أيام المتوكل على الله الذي تولَّى عام 232هـ.
قول العلماء في أحمد بن حنبل بعد ثباته:
· سئل بشر بن الحارث عن أحمد بن حنبل بعد المحنة قال: ابن حنبل أدخل الكير فخرج ذهبه أحمر.
· عن هلال بن العلاء الرقي يقول: منَّ الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ولولا ذلك لكفر الناس وبالشافعي تفقه بحديث رسول الله ﷺ وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله ﷺ وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر الغريب من حديث رسول الله ﷺ ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ.
· قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيتُم الرجلَ يحبُّ أحمد بن حنبل، فاعلموا أنَّه صاحبُ سُنَّة[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك